أمريكا، أقوى دول العالم والتي تمتلك أقوى ترسانة أسلحة بأحدث تكنولوجيا وصل اليها العقل البشري وأقوي اقتصاديات في العالم، كيف وصل بها الحال الي هذه الدرجة من العجز في هذه الحرب، إنها حرب المخدرات والإدمان.
جدول المحتويات
أمريكا في حالة حرب مع المخدرات
بدأت الولايات المتحدة الامريكية تحارب المخدرات منذ فترات طويلة فقد بدأت هذه الحرب وفرض القوانين لمنع التعاطي والتداول لمغيرات المزاج والمخدرات منذ أكثر من قرن.
ومع انتشار انواع المخدرات المختلفة اضطرت امريكا لإعادة فرض قوانين جديدة ومحاربة تجارة المخدرات، والتي تسببت في زيادة معدلات العنف والجريمة مع انتشار الاساءات ضد الأطفال والتأثير الاجتماعي الاسرى الشديد.
فقد شن أربعة رؤساء أمريكيين الحرب على المخدرات بأنفسهم وتوعدوا بإنهاء هذه المشكلة بطرق وسياسات مختلفة.
لكن للأسف لم تنجح هذه الحروب إلا في ملئ المحاكم والمستشفيات والسجون الامريكية بالمتعاطين وتجار التجزئة الصغار.
وظل المستفيدين الوحيدين من هذه الحرب هم أعضاء الجريمة المنظمة وتجار المخدرات فى مضاعفه اسعارهم واتساع مساحات التوزيع.
أنفقت الولايات المتحدة بلايين الدولارات دون جدوى، وفشلت جهودها في القضاء على المخدرات. فكان من الاجدر بها تحويل هذه النفقات الي التعليم ونشر الوعي.
تابع من هنا حرب الكوكايين في كولومبيا
كيف كانت بداية ظهور حرب المخدرات
كان الكحول هو المنتشر بكثرة في ذلك الوقت حتى ظهرت المخدرات بانواعها لأول مرة في الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر الميلادي.
فظهر الأفيون بقوة بعد الحرب الأهلية الأمريكية، ثم بدات مرحلة الادوية المخدرة مثل الكوكاكولا التى كانت فالبداية دواء مخلوط بالكوكايين ويصرف كمشروب علاجى طبى.
ثم تم استخلاص الكوكايين والمورفين والهيروين بشكل منفصل كأدوية، وكانت تصرف عن طريق الاطباء. فكان الهيروين يوصف لعلاج أمراض الجهاز التنفسي، اما المورفين فكان يستخدم بانتظام من قبل الأطباء كمسكن للآلام.
ومع شيوع استخدامهم بلغ تعاطي الأفيون والكوكايين في نهاية القرن التاسع عشر أبعادًا وبائية بدون سيطرة.
ومن هنا كانت بداية الحرب على المخدرات في أمريكا فبدأت القوانين والتشريعات تصدر من حكومه لاخرى محاولين السيطرة على وباء الادمان والتعاطي، وان اختلفت استراتيجياتهم.
بدأت الحرب من عام 1906 حيث حظرت الحكومات المحلية أوكار الأفيون واستيراده.
واول قانون فعلى تم تطبيقه في امريكيا كان قانون هاريسون للمخدرات في عام 1914، والذي يقيد تداول المخدرات بأنواعها.
واتبعت الحكومة وقتها استراتيجية فرض ضرائب كبيره على تداول المخدرات لتقليل الطلب عليها، مع منع الأطباء من وصف هذه الادوية المخدرة مع الرقابة الشديدة عليهم.
فتمت محاكمه أكثر من 5000 طبيب وصيدلى بسبب وصفهم أو بيعهم لادوية مخدرة لمرضاهم.
بداية الحرب على الخمور
وفى عام 1920 كانت بداية الحرب على الخمور خاصة بعد مظاهرات قامت بها النساء بسبب تعرضهن لبعض الإيذاء من متعاطي الخمور.
وبالفعل تم حظر الخمر في أمريكا وظهر قانون فولستيد بمنع الخمور التي تحتوي على نسبة كحول اكثرمن 3%.
ولكن ظهرت مشكلات كثيرة حتى تم الغاء القانون عام 1930. وأصبح الكحول متداول مرو أخرى، ولكن الحكومة استمرت على حرب المخدرات وانشاء فى نفس العام المكتب الفيدرالي للمخدرات.
وفي عام 1933 وافق الرئيس روزفلت على فرض قوانين اضافية على الكحول فيما عرف بقانون «كولين هاريسون».
في عام 1951 صدر قانون بوغز لتشديد العقوبات على متعاطي المخدرات وخاصة الماريجوانا.
وظلت القوانين تزداد على متعاطي المخدرات حتى صدرت قوانين شامله لمكافحة المخدرات لعام 1956.
التغيير في استراتيجية الحرب على المخدرات
اما بداية التغيير الحقيقة فى استراتيجيات الحرب على المخدرات كان عندما أصدرت إدارة جونسون قانون إعادة تأهيل مدمني المخدرات لعام 1966.
نص القانون على أن “إدمان المخدرات” هو مرض عقلي. وأقر بأن مفهوم مرض إدمان الكحول ينطبق أيضًا على إدمان المخدرات، فى تحول واضح لمحاوله محاربة المخدرات عن طريق علاج متعاطيها لتقليل الطلب عليها.
واستمراراً لهذه المنظومة وتبنى فكر علاج المدمنين أعلن الرئيس ريتشارد نيكسون الحرب على المخدرات. واعلنها صراحة انها العدو الاول لامريكا.
أولى برامج علاج الإدمان
وبدأ نيكسون فى تمويل اولى برامج علاج الإدمان في عام 1971، وتولت الحكومة برنامج لتصنيع عقار معالج للإدمان مثل الميثادون التجريبي والمثير للجدل في ذلك الوقت وحتى الان.
وفي يونيو 1971، خاطب نيكسون الكونجرس وأعلن، “طالما كان هناك طلب على المواد المخدرة، فسيكون هناك من هم على استعداد لتحمل المخاطر تلبية هذا الطلب ويقصد بذلك (مافيا وكارتلات المخدرات الذين يوسعون دائرة نشاطهم لذلك يجب تقليل اعداد المدمنين عن طريق علاجهم).
اما الرئيس كارتر فقد انتهج سياسة مختلفه وتغيرت الاستراتيجه بدلا من محاربة المدمنين او علاجهم الى محاربة تجارة وصناعه المخدرات.
ففي عام 1977 طلب إلغاء القوانين التى تحظر الماريجوانا، وقال في خطاب ألقاه أمام الكونجرس “يجب ألا تكون العقوبات المفروضة على حيازة العقار أكثر ضررًا من العقار نفسه”.
وكانت سياساته في الحرب هو مواجهه التجار أنفسهم وليس المدمنين، حيث ذهب معظم التمويل إلى برامج المنع والاستئصال من المصدر.
ولكن تسبب التساهل في التعاطي خلال فتره الرئيس كارتر الى زيادة حادة في تعاطي الكوكايين. ففى سته سنوات فقط تضاعف استهلاك الكوكايين في أمريكا سبعه اضعاف من 20 طن سنويا إلى 140 طناً.
وتسبب فشل حرب المخدرات فى تراجع باقى الحكومات عن تبنى حروب جديدة ضدها.
حتى جاءت رئاسة حكومة ريغان، الذي بدأت مع عام 1981، حيث وسع ريغان نطاق حرب المخدرات بشكل كبير، وكانت استراتيجيته تقوم على تفعيل القانونين وتشديدها لمنع التداول وعقاب المتعاطين وسجنهم بدلا من علاجهم.
وأدى تركيزه على العقوبات الجنائية إلى زيادة هائلة في عدد حالات الحبس بسبب جرائم المخدرات.
حصيلة الحروب السابقة
سواء كانت المشكلة مع الكحول أو المواد الأفيونية أو الكوكايين أو أي مادة أخرى، فإن الإدمان يقتل آلاف الأمريكيين كل عام ويؤثر على حياة الملايين.
لأن الإدمان يجبر شخصًا ما على استخدام المواد بشكل متكرر مع الانخراط في سلوكيات إدمانيه واضطراب نفسي يؤدى في النهاية لعواقب وخيمة.
مما يجعله يؤذي نفسه ومن حوله وتدمير الاسر والصداقات ويهدد صحة الفرد وسلامته، والتاثير الاقتصادى للادمان مدمر وخاصة على الناتج القومى للبلاد وايضا يتسبب فى تآكل جانب كبير من ميزانيات الوزارات المسؤولة عن الشؤون الصحية او الهيئات القانونية والقضائية.
وفيما يلي بعض المعلومات والإحصائيات عن الشوارع الخفية فى امريكا:
- يعاني ما يقرب من 21 مليون أمريكي من الإدمان على المخدرات، 10٪ منهم فقط هم من يتلقون العلاج.
- تضاعفت الوفيات الناجمة عن الجرعات الزائدة من المخدرات حيث توفي أكثر من 38000 شخص بسبب تعاطي المخدرات في الولايات المتحدة في عام 2010، وهو عدد أكبر من الوفيات الناتجه عن حوادث السيارات والقتل والانتحار.
- يكلف إدمان الكحول والمخدرات الاقتصاد الأمريكي أكثر من 600 مليار دولار كل عام.
- حوالي 20 ٪ من الأمريكيين الذين يعانون من الاكتئاب أو اضطرابات نفسية ناتجه عن استخدام وتعاطي المخدرات.
- وصول المخدرات لايدى الاطفال والمراهقين حيث أن الاحصائيات توضح ان 90٪ من الأشخاص المدمنين بدءوا فى استخدامها قبل بلوغهم سن 18 عامًا.
تخلت امريكا وعدد كبير من الدول الاوروبية عن جزء كبير من الحرب على المخدرات، واصبحت تصرف للمدمن مخدرات اصطناعية في صورة ادوية.
كما خففت بعض الولايات الامريكية حظرها على انواع معينه من المخدرات وسمحت بتداولها وبيعها في صور مختلفة.
ومازالت الاستراتيجيات الغير معلنه هو الحرب على اباطرة المخدرات والتنظيمات المتورطه فيها وخاصة بعد اشتباه علاقتها بتمويل الارهاب.
ومن أشهر ما كتب عن الادمان في امريكيا ما كتبه الأدميرال فيفيك إتش مورثي في تقريره لمجلس الشيوخ عام 2016، انه لايوجد حل واحد لوقف وباء المخدرات. سوف يتطلب الأمر سياسات متعددة، وبرامج علاج دوائية ونفسية متعددة، وتركيزًا أكبر على الوقاية والمعالجة والتعافي المبنية على الأدلة. والأهم من ذلك، أن التغلب على وباء المخدرات في أمريكا سيأخذ تحولا ثقافيا في كيفية إدراكنا للإدمان.
كما دعي في تقريره إذ حان الوقت الآن لإجراء التغيير فإذا كنت أنت أو أي شخص تحبه يعاني من اضطراب تعاطي المخدرات، فاعلم أن التدخل المبكر هو مفتاح التعافي الدائم والحياة الصحية.
فان العلاج الاحترافي والسكني يحقق أكبر قدر من النجاح فيما يتعلق بالتعافي طويل المدى، ويمكن أن يقلل بشكل كبير من خطر الانتكاس، وان التغيير بكل ما تحتويه الكلمة من معنى هو من اساسيات علاج الادمان.
تم التحديث في 29 أبريل، 2023 بواسطة دار الشفاء للطب النفسي وعلاج الادمان