حرب المخدرات أو تحديداً حرب الكوكايين هي حديثنا هذا اليوم، وتقع تلك الحرب الدائرة في كولومبيا، وهي دولة مساحتها تزيد عن المليون كيلو متر مربع، وعدد سكانها يتعدى الـ 50 مليون نسمة، وتقع في الشمال الغربي لقارة امريكا الجنوبية.
تمتد جبال الانديز لتغطي ثلث مساحه هذه الدولة، وتنتشر الغابات الاستوائية فى الجنوب، وسواحلها تمتد لحوالى 5000 ك مابين البحر الكاريبى والمحيط الهادى.
كولومبيا هى الدولة رقم واحد في العالم في انتاج الكوكا لعقود طويلة من الزمان، حيث انتشرت زراعات المخدرات واصبحت جزء من ثقافه المزارعين هنالك، إما بحثا عن المال أو تحت تهديد العصابات !!
خلال الستينيات والسبعينيات تضاعف الطلب العالمي على المخدرات من كولومبيا لاستخدامها طبيا فى العقاقير ذات التأثير النفسي.
مما زاد إنتاج الكوكا زراعيا ومعالجته كيميائيا وزادت معه ارباح مافيا كارتلات المخرات في كولومبيا.
مافيا المخدرات
ارتكزت مافيا تجارة المخدرات غير المشروعة في كولومبيا منذ السبعينيات على أربع عصابات كبرى لتهريب المخدرات وكان اشهرهم كارتل ميديلين.
وأسسها اباطرة المخدرات وأشهرهم بابلو اسكوبار الذى لقب بإمبراطور الكوكايين نظرا لسطوته ونفوذه السياسى والاقتصادى وامتلاكهم لعصابات مسلحه.
حيث سيطرت هذه العصابات فى السبعينات والثمانينات على 90% من اسواق المخدرات فى اوروبا وامريكا.
مع حجم تجاره وارباح بمليارات الدولارات، مما خلف عن هذه التجارة طبقة اجتماعية جديدة وأثرت على العديد من الجوانب الثقافية والسياسية في كولومبيا.
فأطنان من الكوكايين تتحرك يوميا فى هذه الدوله وضع هذا دائما الحكومة الكولومبية في ضغط كبير للحد من المنظمات الإجرامية المتعلقة بالمخدرات.
وهي أحد أصول الصراع الكولومبي والحرب المستمرة بين الجماعات المسلحة ومقاتلين التحرير المدعومين من كارتلات المخدرات التي اصبحت تقاتل الحكومه وبعضها البعض لزيادة نفوذها داخل البلاد.
والسؤال هنا ….
كيف كانت خطة مكافحة المخدرات في كولومبيا؟
الولايات المتحدة الامريكية هي أكبر مستهلك للكوكايين في العالم وغيرها من المخدرات غير المشروعة.
وبدورها حاولت الحكومة الامريكية التدخل في كولومبيا طوال العقود السابقة في محاولة لقطع إمداد الولايات المتحدة من المخدرات.
ودخلت في حروب مع أباطرة المخدرات في كولومبيا في هذه الفترة مثل بابلو إسكوبار وخوسيه رودريغيز غاتشا.
فلطالما اعتبرتهم امريكا من بين أخطر وأقوى الرجال والأكثر ثراء في العالم.
ولهذا قدمت الولايات المتحدة والدول الأوروبية مساعدات مالية ولوجستية وتكتيكية وعسكرية لحكومة كولومبيا من أجل تنفيذ مخطط لمكافحة تجارة المخدرات غير المشروعة.
أبرز هذه البرامج كانت خطة كولومبيا التي تهدف أيضًا إلى محاربة المنظمات اليسارية مثل مقاتلي فارك الذين سيطروا على العديد من مناطق زراعة الكوكا في كولومبيا على مدى العقود الماضية.
ونجحوا بالفعل في تقليص نشاط تلك العصابات لدرجة أنه في عام 2010 كان إنتاج الكوكايين انخفض اكثر من النصف مقارنه لما كان عليه في عام 2000، ولوحظ ايضا فى نفس الفترة انخفاض مستوى العنف المرتبط بالمخدرات بنفس النسبة !!
وبالفعل نجحت الشرطة الوطنية الكولومبية بالقبض على قادة وأباطرة المخدرات وتسليمهم للعدالة بمعدل يزيد عن 100 في كل عام على مدى السنوات العشر الماضية.
حتى اصبحت الشرطة الكولومبية تقدم المشورة الفنية إلى 7 دول في أمريكا اللاتينية و12 دولة في إفريقيا عن كيفية محاربة العصابات المسلحة.
ردة فعل عصابات المخدرات
لكن للأسف ردة فعل العصابات الاجرامية كان عنيف ودموي الي حد كبير. فقد قاوم تجار المخدرات الشرطة وشنوا هجمات كانت أبرز نتائجها اغتيال خمسة من المرشحين الرئاسيين، وقتل أكثر من 3000 من أعضاء الاتحاد الوطني والاحزاب السياسية.
كما تم اغتيال الاف من ضباط الشرطة والقضاة والشهود وبشكل مستمر، مما أفقد الشرطة الوطنية قدرتها على التحكم بزمام الأمور.
وعادت تجارة المخدرات وخصوصا الكوكايين تزدهر من جديد. حتى بلغ إنتاج الكوكايين في كولومبيا أعلى مستوى له على الإطلاق في عام 2017.
تقول الاحصائيات أن 4٪ من سكان العالم قاموا بتجربة الكوكايين، أي حوالي 300 مليون شخص وهو رقم كبير جدا.
كولومبيا فقط تنتج ما يقدر بـ 70 ٪ من الكوكايين المستهلك.
وفقًا لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة. ان انتاج الكوكايين حاليا في منطقة الأنديز تعدى 2000 طن سنويا رغم تخفيض مساحات الزراعه ، مما يعنى ملايين الكيلوات من الكوكايين!!
يأتي معظم الكوكايين المستهلك في جميع أنحاء العالم من كولومبيا وبيرو.
125 كيلو من نبات الكوكا يكفيان لتصنيع كيلو جرام واحد من الكوكايين الخام المصنع محليا داخل المعمل الكولومبية والذي يكلفهم 150 دولار ليباع هذا الكيلو من 60 الى 200 ألف دولار حسب كل دولة.
واليكم إحصائية توضح مدي ازدهار زراعة الكوكا في كولمبيا من عام 1994 الي عام 2021:
اما هذه الإحصائية فتوضح مدي ازدهار صناعة وإنتاج الكوكايين الخام في كولمبيا خلال الفترة من عام 1995 الي عام 2021:
وأخيرا ماذا بعد؟
بعد تصريحات الرئيس الكولومبي جوستافو بيترو خلال حفل تنصيبه إذ قال (حان الوقت لقبول أن الحرب على المخدرات قد لقت فشلاً ذريعاً.
حان الوقت لعقد اتفاقية دولية جديدة تقبل بان الحرب ضد المخدرات قد فشلت. وحان الوقت للخروج من الحلقة المفرغة .. وان الحرب على المخدرات قد عززت المافيا واضعفت الحالة الأمنية داخل البلاد).
وبعد مشروع قانون قدمته حكومته مؤخراً إلى الكونجرس لإضفاء الشرعية على بعض المواد المخدرة ومنها الكوكا والماريجوانا.
وعلق السناتور الكولومبي جوستافو بوليفار، وهو من الموقعين على مشروع القانون الجديد الخاص بتقنين المخدرات، أنه حتى الولايات المتحدة، بكل قوتها وأموالها، فشلت في الفوز في حربها على المخدرات.
وأشار إلى أنه في الوقت الحالي تنتج كولومبيا مخدرات أكثر مما كانت عليه عندما كان يعيش بابلو إسكوبار.
فهناك المزيد من المستهلكين، والمزيد من المزارعين وتطورت عمليه التهريب مابين غواصات وطائرات وانفاق كامله بين الدول.
ووجد تقرير صادر عن لجنة الحقيقة وهي لجنة متعددة التخصصات مكلفة بالتحقيق في أكثر من 50 عامًا من الصراع في كولومبيا، أن تهريب المخدرات ساعد في إطالة أمد الصراع والحرب الداخليه بين الحكومة والمليشيات.
وأن أباطرة المخدرات دعموا استمرار الحرب لإرهاق الحكومة وذلك على الرغم من المساعدات العسكرية الأمريكية لكولومبيا بنحو 8 مليارات دولار.
وقتل في أعمال الحرب والعنف ما لا يقل عن 260 ألف كولومبي أغلبيتهم العظمى من المدنيين.
40 عاما استمرت الحرب ضد المخدرات، وإذا لم نصحح المسار ستمتد لـ 40 عاما أخري. ستشهد الولايات المتحدة وفاه شخصين بسبب الجرعة الزائدة. ومليون و800 ألف شاب من الفينتانيل.
فهل استسلمت كولومبيا بهذا البيان الحديث الصادر عن رئيسها رغم كل الانتقادات له؟
هذا ما سنعرفه خلال السنة القادمة من هذا الصراع الطويل !!
انها حرب ضد مستقبل شبابنا، والاستسلام فيها ليس أحد الاختيارات !!
وفي النهاية فإن مستشفى دار الشفاء للطب النفسي تتمنى الشفاء والتعافي لكل مريض.
راجع برنامجنا العلاجي المتقدم في علاج ادمان الكوكايين من هنا.
تم التحديث في 25 يونيو، 2023 بواسطة دار الشفاء للطب النفسي وعلاج الادمان