إذا جعلنا علاج الادمان على المخدرات هدفاً نرجوه، فبالرغم من أن الوصول إلي الهدف وإحراز النصر يُعد من أهم الأشياء، إلا أن الطريق الذي نسلكه لا يقل أهمية عن الوصول.
ذلك لأن نوعية الطريق الذي نختاره هو الذي يجعل الرحلة أبعد أو أقرب. فإذا كان الطريق مليئاً بالحفر والأزمات سيكون المسير كثير العثرات.
وبالتالي ستطول الرحلة وسيكون الوصول أكثر صعوبة، أما إذا أحسنّا إختيار الطريق فإن ذلك بالتأكيد سيجعلنا أقرب إلي الوصول وإحراز النصر على الادمان أو بمعنى آخر ( علاج الادمان على المخدرات وبدون رجعة ).
ونحن إذ نرغب في الوصول إلي علاج الادمان لابد أن نبحث الطريق الذي نسير فيه والطريق الذي ينبغي أن يكون.
وفي هذا المقال سنستكشف معاً أهم المعالم للطريق الذي ينبغي أن نسير فيه من أجل الوصول إلي علاج دائم للإدمان.
لأننا للأسف الشديد كثيراً ما نسير في الطريق الخطأ ونتصرف بالطريقة الخاطئة.
علاج الادمان على المخدرات اجتماعياً
علي الرغم من أن المدمن للمخدرات يعد إنساناً مريضاً نفسياً، إلا أننا نعاقبة علي مرضه هذا، وبدلاً من علاجة وإعادة تأهيله فإننا نقوم بنبذه ومعاقبته وسجنه.
وذلك إن كان له سبب منطقي فإنه إما لأننا لدينا خطة لإهدار الموارد البشرية في بلدنا وإفشال كل شئ فيها، أو لأننا نملك أغبي أنظمة المعاقبة في العالم.
لأنه ينبغي أن تتضمن عملية المعاقبة عمليات علاج الادمان على المخدرات أو الكحوليات وتقويم المدمنين وإعادة تأهيلهم الشخصي والنفسي والإجتماعي.
ولا تكون المعاقبة فقط من أجل المعاقبة أو من أجل الإذلال وإثارة الشعور بالذنب لدي المدمنين لأنهم بالفعل يشعرون بالذنب بعد كل جرعة يتعاطونها من المخدر بل ان من دوافعهم الخفية للتعاطي هو ذلك الإحساس المؤلم بالذنب وإحتقار الذات.
إن الطريقة التي نعاقب بها الشخص المتعاطي للمخدرات في مجتمعنا هي نبذه وعزله وطرده خارج المجتمع ونفيه إلي مجتمع آخر أكثر خطورة وأكثر هدماً للشخصية وهو مجتمع السجن.
ذلك المجتمع الذي لم ننظر فيه وفي كيفية تصميمة من الداخل لكي يقوم بالوظيفة المرجوة منه وهي علاج الادمان من الناحية الاجتماعية من خلال التقويم والتعليم والتشكيل وإعادة التأهيل.
تأثير المجتمع على شخصية الفرد
إن المجتمع مثل الوعاء وأفراد المجتمع مثل الشئ الذي يتم وضعه في داخل الوعاء، والذي يأخذ نفس شكل الوعاء مهما كان شكله.
فإذا كان شكل المجتمع جميلاً فإن أفراد المجتمع يكونون مثله أشخاص أسوياء، وإذا كان شكل المجتمع غير جميل فإن أفراده يكونون مثله أيضاً أي أشخاص غير أسوياء.
فلماذا نلوم الأشخاص ونعتبرهم مجرمين دون أن نُعيد النظر في المجتمع الذي يعيشون فيه ويتأثرون به ؟!
لذلك ينبغي أن نهتم إهتماماً كبيراً بتصميم المجتمع المؤسساتي المناسب الذي يساعد أفراده علي التقدم والنمو والرُقي.
ينبغي أن نهتم بتصميم مجتمع مؤسسة المنزل ومجتمع مؤسسة المدرسة والجامعة ومجتمع مؤسسات العمل والترفيه وكذلك مجتمع مؤسسة السجن.
ولا شك أن المدمنين الذين نعتبرهم أشخاصاً غير أسوياء ما هم إلا نتاجاً طبيعياً لفشل باقي مؤسسات المجتمع.
وهنا يبرز الدور البالغ الأهمية لمؤسسة السجن لأنها المؤسسة الأخيرة المسؤولة عن حل مشكلة علاج الادمان على المخدرات من خلال علاج مدمن المخدرات وإعادة تأهيله لكي يكون مواطناً صالحاً ومنتجاً.
إن علاج المخدرات من الناحية الإجتماعية لا يكون بنبذ المدمنين وتغريبهم وعزلهم وإقصائهم إلي خارج المجتمع، بل يكون بإعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع من جديد للإستفادة من طاقاتهم.
لأن من الأسباب التي دفعتهم أساساً الي تعاطي المخدرات ذلك الإغتراب النفسي والإجتماعي وعدم الإحساس بالإنتماء للمجتمع أو للأسرة أو حتى للذات.
مما دفعهم إلي تعاطي المخدرات كوسيلة سريعة للهروب من آلام الإغتراب. فهل يُعقل أن يكون علاج الادمان في مصر بنفس العوامل التي تتسبب في الإدمان؟!
علاج ادمان المخدرات علي المستوى النفسي
أما علي المستوي النفسي فإن الطريق الصحيح إلي علاج الادمان على المخدرات يبدأ بمساعدته.
بمعني توفير المرشد أو المعالج النفسي أو المساعد الشخصي له، ليعلّمه طرقاً علميةً صحيحة للتفاعل مع المجتمع الذي يعيش فيه.
وهذا مغاير تماماً للطريقة التي نتبعها في الواقع من نبذ وعقاب وسجن كما ذكرنا في الجانب الإجتماعي، الأمر الذي يبين مدى حجم الفجوة بين مشكلة الإدمان وحلها.
وينبغي أولاً علي المتلقي للعلاج أن يكون متقبلاً لفكرة أنه عاجز عن الإمتناع عن تناول المخدر وأن يعترف بعجزه هذا.
وثانياً أن يكون متقبلاً لفكرة المساعدة، وأنه بحاجة إلي المساعدة من الآخرين وتحديداً شخص ما متخصص مثل دكتور لعلاج الإدمان أو مدرب شخصي لديه دراية بخبايا علم النفس وبرامج علاج مدمن المخدرات.
لأننا في النهاية كائنات إجتماعية بحاجة إلي مساعدة الآخرين ولا أحد منّا جزيرة.
برنامج الإثنتى عشرة خطوة و علاج الادمان
وأشهر برامج علاج الادمان أو برامج التأهيل النفسي هذه هو برنامج الأثنتى عشرة خطوة لرابطة مكافحة إدمان الكحوليات التي ساهمت في تغيير حياة الكثير من المدمنين حول العالم.
والذي نال إشادات كثيرة منها وجهة نظر “هنري كيسنجر” وزير خارجية أمريكي سابق ومستشار أمن قومي عندما عبر عن وجهة نظرة في أهم حدث في القرن العشرين قائلاً ” في العاشر من يونيو عام 1935 ، حين تقابل إثنان من مدمني الشراب.
هنا تجلّي برنامج الاثنتى عشرة خطوة والذي من خلاله عاش هذان الشخصان متعافيان من إدمان الشراب.
وإن عاشت الإنسانية علي نفس برنامج الاثنتى عشرة خطوة، فلن تتواجد الوحشية بين البشر”.
ما هو برنامج 12 خطوة لعلاج الادمان
هو برنامج مكون من أثنتى عشرة خطوة مبنية علي أسس علم النفس العمقي، ويمكن أن يساعد هذا البرنامج أي شخص بغض النظر عمن يكون وليس فقط الأشخاص المدمنين.
وتقول “ديردي باوندز” مؤلفة كتاب “الإشباع ثورة شخصية في سبع خطوات” عن برنامج الاثنتي عشرة خطوة التي استوحت منه كتابها والتي كانت لها تجربة شخصية معه ” إن هذا البرنامج سيجعلك تعيش حياة تفوق أكثر أحلامك جموحاً، لقد قال الكثيرون ممن اتبعوا هذا البرنامج أنهم حتي بداية تطبيق تلك المبادئ كانوا مجرد موجودين في الحياة ولا يعيشون”
ذلك لأن البرنامج يقدم طريقة جسورة حقاً لعيش الحياة والتفاعل مع المجتمع. وهو برنامج يعتمد مبدأ المساعدة والإرشاد الشخصي كأحد مبادئه الأساسية.
بمعني أن دكتور علاج الادمان على المخدرات والكحوليات أو المدرب الشخصي يكون أقرب ما يكون إلي المريض ليقوم بالنصح والإرشاد وشرح التمرينات الموجودة بالبرنامج ومساعدة المريض علي التخلص من الأفكار السلبية التي قد تعيقه في خلال فترة العلاج.
وفي رأيي فإن أفضل مستشفى لعلاج الادمان في مصر أو مراكز علاج الادمان بجده أو مراكز علاج الادمان في الكويت أو في الرياض أو مراكز علاج الادمان في دبي أو في الإمارات ككل أو السعودية ككل أو في أي مكان في العالم هي التي تعتمد مثل هذا النوع من العلاج.
وليس العلاج من المخدرات بالعقاقير مثل المهدئات ومضادات الإكتئاب والمنومات والتي قد تُصيب المريض بإدمانها وأحياناً بالتسمم الحاد عند إساءة إستخدامها، ولأن العلاج النفسي الذي يعتمد علي العقاقير فقط ما هو إلا علاجاً مؤقتاً مثلة مثل مسكّن الآلام للأمراض العضوية.
ولا يمكن أن يكون علاج الادمان نفسياً بهذه الطريقة وفقط بل يجب أن يكون محاطاً ببرنامج علاجي متمرس وراقي.
علاج الادمان على المخدرات أو الكحوليات في السعودية
إن مشكلة الإدمان على المخدرات تعتبر مشكلة دولية تهدد كل البلدان. ولا تختلف درجة الخطورة والأضرار التي تقدمها المخدرات في الدول النامية عن الدول المتقدمة، فهي في جميع الأحوال تدمر شباب ذلك البلد سواء كان نامي أو متقدم.
وإدمان المخدرات كما هو معروف مرضي وبائي سريع الانتشار، حيث قد ارتفعت حدته في السنوات الأخيرة في مختلف أنحاء العالم إلا أنه في المملكة العربية السعودية الأمر لم يكن انتشاراً فقط وإنما كان إغراقاً.
حيث تم إغراق بلاد الحرمين بوابل من سموم المخدرات، مع العلم أن الحكومة السعودية قد أدركت ذلك الخطر المحدق بها وباتت تواجهه بمختلف الطرق والأساليب والتقنيات المتطورة.
إن علاج الادمان في السعودية يستلزم تضافر جميع جهود الدولة لمقاومته. وبالفعل فقد قامت الحكومة أيضاً بإنشاء عدد كبير من مستشفيات علاج الادمان على المخدرات والكحوليات من أجل إنقاذ ضحايا هذه الآفة المدمرة التي وقع في براثنها كثير من شبابنا.
ونحن هنا في دار الشفاء للطب النفسي ومن منطلق رسالتنا الدولية في علاج ادمان المخدرات لا نألوا جهداً على مساعدة كل مريض بالادمان بات يدرك أن حياته في خطر وأن عليه إنقاذ نفسه قبل فوات الأوان.
إن أي مصحة لعلاج الإدمان في مصر أو في جدة أو الرياض أو في أي مكان في عالمنا العربي يجب أن تأخذ في إعتبارها تلك العلاقة القوية التي تربط بين الجانب النفسي والجانب الإجتماعي لدي المدمنين.
وذلك بتغيير المجتمع الذي يعيش فيه المريض أثناء فترة تلقيه علاج الادمان على المخدرات ومن ثم غسيله نفسياً وتوفير الرعاية والإرشاد والتدريب الشخصي له.
إننا جميعاً في الحقيقة بحاجة لذلك المرشد النفسي أو المساعد الشخصي المتنور الذي يأخذ بعوننا ويحفظ أسرارنا ويمدنا بالتشجيع في أوقات الفتور والإحباط، والأمل في أوقات اليأس، والنور في أوقات الظلام.
تم التحديث في 25 يونيو، 2023 بواسطة دار الشفاء للطب النفسي وعلاج الادمان