الكثير من الناس لا يعرفون أنّ وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تؤثر على قرار شخص ما لتعاطي المخدرات ومن ثم إدمانها لاحقاً، ولهذا السبب سوف نسلط الضوء في هذا المقال على دور الإعلام في إدمان الأطفال.
في يومنا الحالي، ليس هناك شخص في دول العالم الأول أو الثاني – وأحياناً الثالث – لا يستخدم الشبكات الاجتماعية أو على الأقل شبكة واحدة منها.
وهناك من يقضون بضعة دقائق فقط يومياً على هذه الشبكات الاجتماعية، وهناك أيضاً من يقضون ساعات على مواقع التواصل الاجتماعي يومياً.
وهنا يكمن الخطر على الأطفال، فحسب بعض الدراسات يمكن للطفل الذي يقضي دقائق قليلة يومياً على مواقع التواصل الاجتماعي أن يتأثر منها.
وأبرزت هذه الدراسات عدّة أسباب لعلاقة و دور الإعلام في إدمان الأطفال.
عناصر المقالة
دور الإعلام في إدمان الأطفال
العديد من الأطفال الذين يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي مثل تويتر، وفيسبوك، وإنستاجرام، وسناب شات، يتعرضون بشكل مستمر للوسائط المرئية مثل الصور ومقاطع الفيديو التي تُظهر أناساً آخرين يتعاطون المخدرات والكحوليات.
وفي الكثير من الحالات تُظهر هذه الصور ومقاطع الفيديو أناساً يغيبون عن الوعي جراء تعاطي المخدرات أو يفعلون أشياء غبية تحت تأثيرها.
وبعضاً من هؤلاء الأشخاص الموجودين في الصور يُطلق عليهم “المؤثرون” الذين يشتهرون على مواقع التواصل الاجتماعي دون أي سبب منطقي.
أو في بعض الأحيان قد يكونوا أصدقاء للطفل أو حتى من أفراد العائلة، وفي أحيان أخرى يكونوا من المشاهير أو الشخصيات العامة، وفي أحيان أخرى قليلة يكون الأشخاص في هذه الصور والفيديوهات أناس عاديين لكنهم كانوا متواجدين في الوقت غير المناسب.
المثير للاهتمام أن مشاهدة هذه الوسائط (الصور ومقاطع الفيديو) المذكورة في الأعلى غالباً ما يكون لها تأثيرات ضارة على مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، وتُبرز دور الإعلام في إدمان الأطفال.
فعندما يرى الطفل هذه المواد بشكل مستمر على الشبكات الاجتماعية قد يبدأ في الاعتقاد بأن هذه السلوكيات مقبولة ويمكنه تجربتها هو الآخر.
على سبيل المثال، إذا كانت هناك صورة على أحد مواقع التواصل الاجتماعي لشخص غائب عن الوعي بسبب فرط تعاطي المخدرات أو الكحوليات وتم التعليق عليها بتعليقات مضحكة، فإن هذه التعليقات تُقلل من مدى سوء تعاطي المخدرات في عقل الطفل الذي يشاهد هذه الصورة.
بل وأكثر من ذلك يمكن أن يبدأ في تقبل هذه السلوكيات ويعتقد أن بإمكانه أن يفعلها هو الآخر وربما يزيد به الأمر حتى يدمن المخدرات أو الكحوليات، وهنا يظهر جلياً دور الإعلام في إدمان الأطفال.
علاقة التنمّر على الشبكات الاجتماعية بالإدمان
يُعتبر الابتزاز الالكتروني أو التنمّر الرقمي سبب آخر يُظهر دور الإعلام في إدمان الأطفال وكيف أن مواقع التواصل الاجتماعي يمكن أن تجعل الطفل يتعاطى المخدرات ويدمنها، ويحدث هذا عادةً عن طريق الاكتئاب أو اضطرابات القلق.
العديد من الأطفال عرضة للتنمر عبر الإنترنت، حيث تسهل ممارسة البلطجة الإلكترونية لأنها لا تتطلب مواجهة شخصية مع الضحية، وتتنوع أشكال التنمر عبر الإنترنت ما بين السخرية من شكل الجسد، أو توجيه عبارات الكراهية البغيضة إلى الطفل، وتكون سهلة على المتنمر لأن كل ما يحتاج إلى فعله هو كتابة بضعة كلمات على لوحة المفاتيح فقط.
وفي كثير من الحالات يتحول الطفل الذي تعرّض لهذه الأنواع من التنمر والبلطجة الرقمية إلى الهروب من مشاكله بتعاطي المخدرات بعدما تغلبت عليه مشاعر سلبية مثل الاكتئاب أو القلق، وللأسف الشديد يعتبر الأطفال هم الأكثر تعرضاً لهذا الخطر بسبب رواج التنمر في مراحلهم العمرية.
تأثير الإعلام في إدمان المراهقين
في الماضي كان من السهل جداً مراقبة استهلاك أطفالك لوسائل الإعلام، لكن اليوم أصبح الأمر صعب جداً إن لم يكن مستحيل تماماً.
لأن الأمر لم يعد أن تغلق التلفاز وحسب لتفصل بين أطفالك ووسائل الإعلام، فتأثير الوسائط لم يعد في مكان واحد فقط كما كان في الماضي.
بل أصبحت في كل مكان، حيث يمكن الآن أن ترى وسائل الإعلام في مواقف مترو الأنفاق، وفي كلمات الأغاني، وفي التلفزيون، ومقاطع الفيديو الموسيقية، والإعلانات المطبوعة، وفي اللوحات الإعلانية بالشارع، وفي الأفلام، والكتب، واليوتيوب، ووسائل التواصل الاجتماعي.
كل هذه العناصر أصبح لها تأثير كبير على الطفل أو المراهق، وليس من السهل على الآباء مراقبة وقت جلوس الطفل على الشاشات عندما يكون لديه هاتف ذكي أو جهاز لوحي هو وجميع أصدقائه.
أضف إلى ذلك حقيقة أن الآباء والأمهات مشغولون على نحو متزايد هذه الأيام وغالباً ما يعملون في أكثر من وظيفة، مما يزيد من دور الإعلام في إدمان الأطفال.
دافع التجربة الأولى
ليس جديد أن تجد العديد من المراهقين والشباب يجربون المخدرات أو الكحول، فهناك فضول طبيعي لتجربة أشياء جديدة في هذه الفئة العمرية، لأسباب مثل الاندماج الاجتماعي.
وتبدأ المشكلة في الحدوث عندما تتحول هذه التجربة إلى عادة مستمرة لدى الطفل، أو عندما لا يكون الطفل أو المراهق يعلم مخاطر هذه المادة المخدرة أو تلك، وما الذي تفعله بجسده وعقله، والعواقب المدمرة لتعاطي المخدرات.
وعادةً ما يعتقد المراهق أو الطفل أنّه إذا قام بتجربة سيجارة أو مادة مخدرة في مرحلة المراهقة، فإن هذا ليس سبباً ليكون مدمناً عليها لاحقاً طوال عمره.
لكن للأسف الشديد العديد من هؤلاء الذين يبدأون بالتجربة ينتهي بهم الأمر مدمنين لهذه المواد أو في حالات أسوأ تكون النهاية هي الموت.
وحتى تظل صناعة التبغ ناجحة ومستمرة، يجب عليها الاستحواذ على مستخدمين جدد كل عام ممثلين في أشخاص من فئة الشباب أو المراهقة.
وعندما تفكر في الأمر ستجد أن الكثير من الناس يموتون يومياً بسبب التدخين، لكن شركات صناعة التبغ لن تخبرك هذا.
لكنها سوف تنفق المليارات على إعلانات تستهدف الشباب ونشر صورة زائفة عن الشاب المدخن، فالشركات المصنّعة للتبغ لا تهتم بصحة الشباب أو المراهقين أبداً، وكل ما يهمها هو كم ستبيع يومياً.
تأثير وسائل الإعلام
إن العوامل التي تسهم في قرار الشاب أو المراهق باستخدام المواد المخدرة أو الكحوليات تبدو كثيرة جداً ومتنوعة، وواحدة منها هي وسائل الإعلام بجميع أشكالها التي تتطور وتزداد تعقيداً كل يوم.
فهناك عدد لا نهائي من الصور المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي تعطي انطباع لدى الشباب أن تعاطي المخدرات تجربة ساحرة ومجزية، أو أنها الطريق إلى السعادة.
وفي حالة المواد القانونية مثل السجائر تُنفق الشركات مليارات الدولارات سنوياً على الإعلانات أملاً في زيادة استهلاكها.
وتستهدف هذه الشركات فئات الأطفال والمراهقين حيث تبدأ عادة التدخين في هذه الفئة العمرية.
وتستخدم الشركات مجموعة واسعة من التقنيات لاستهداف هذه الفئة العمرية، ومن أبرز الأمثلة على ذلك الإعلانات الغير ظاهرة في الأفلام والمسلسلات التلفزيونية.
في مسلسلات رمضان على سبيل المثال، سوف تجد عدد هائل من الممثلين يُدخن السجائر في مختلف المواقف، سواء كان سعيداً أو حزيناً أو متوتراً أو غيرها من العواطف.
هذا الأمر يثير فضول المراهق الذي يشاهد المسلسل ومنحه معلومة زائفة بأن التدخين سوف يخلصه من مشاكله، أو أنّه يحتاج إلى سيجارة عند التفكير العميق في أمر ما.
كل هذا يدفع المراهق للتجربة ومن ثم تنشأ العادة لديه ويصبح من الصعب عليه التخلص منها مروراً بسن الشباب ثم البلوغ، مما يكشف لنا دور الإعلام في إدمان الأطفال بشكل خفي.
بالطبع يمكن للوالدين أن يحاولوا إثناء أطفالهم عن مشاهدة الأفلام والتلفزيون تجنباً لشيء مثل إدمان السجائر أو حتى المخدرات.
لكن عاجلاً أم آجلاً سيكون على المراهق نفسه اتخاذ القرار، فهم في النهائية أشخاص مستقلون التفكير.
لذا الأهم هو التواصل الدائم مع الأبناء وتوفير التعليم الجيد بخصوص أضرار التدخين والمخدرات.
حقيقة دور الإعلام في إدمان الأطفال
كثير من المراهقين لديهم الفضول لتجربة أي شيء يستحق التجربة، والمشكلة أنّه بمجرد دخولهم هذا المجال يصبح من السهل جداً تجربة أشياء أخرى مدمرة لصحتهم الجسدية والنفسية>
فالإدمان يمكن أن يدمر العلاقات الاجتماعية، والوظائف المهنية، والقدرة على التفكير السليم، وما إلى ذلك من أضرار نفسية.
لكن هذا جزء واحد من المشكلة، فحسب العديد من الدراسات يمكن للشباب الذين يتعاطون المخدرات أن يتعرضوا لمشاكل صحية خطيرة في وقت لاحق من حياتهم، مثل السكتة الدماغية، وأمراض الكبد، وأمراض القلب، والسرطان.
وهناك أيضاً مشاكل أخرى مثل خطورة الجرعات الزائدة Overdose التي يمكن أن تتسبب في موت المراهق، أو تعرضه لحادث سيارة في حالة قيادتها تحت تأثير المخدر.
طبعاً الأطفال لا يفكرون في كل هذا عندما يجربون تعاطي المخدرات في الحفلات أو يشاهدون تأثيرها في الأفلام أو المسلسلات التلفزيونية، ولا يعلمون أن هذا في إطار دور الإعلام في إدمان الأطفال.
الكحوليات
إعلانات الكحوليات أقل تعرضّا للقيود على الإنترنت من إعلانات التبغ والسجائر، وغالباً ما تظهر في النشاطات الرياضية مثل كرة القدم كونها الرياضة الأكثر شهرة حول العالم.
وفي كأس العالم روسيا 2018 كانت جائزة أفضل لاعب في المباراة تُمنح بواسطة شركة متخصصة في الخمور، وهو ما جعل حارس مرمى منتخب مصر “محمد الشناوي” يرفض استلام الجائزة في المباراة الأولى أمام الأوروجواي.
كما أن سياسة الإعلانات داخل الأفلام والمسلسلات مستمرة معنا في الكحوليات، فغالباً ما تجد أبطال المسلسلات يظهرون وهم يشربون الخمور في مختلف المناسبات، سواء كانت زواج أو اجتماعات أو حتى حفلات عادية.
كل هذا يجعل الطفل أو المراهق يعتقد أن شُرب الخمور أمر عادي ومقبول، وبعيداً عن الجانب الديني تُسبب الخمور الكثير من الأضرار على الكثير من الوظائف الحيوية في جسم الإنسان البالغ، ناهيك عن طفل في مرحلة المراهقة.
الأرباح هي الأهم
المشكلة الأكبر بعيداً عن تعاطي المخدرات، هي أن الشركات التي تنتج أشياء مثل التبغ (السجائر) أو الكحوليات (الخمور) لن تتوقف أبداً عن نشر الإعلانات التي تروّج لمنتجاتها بين فئة المراهقين والشباب.
فهي تكسب الكثير من الأموال جراء بيع هذه المنتجات وكل ما يهمها هو تحقيق المزيد من الأرباح بغض النظر عن ما إذا كانت منتجاتها تفسد صحة الشباب أم لا.
وهنا يأتي دور الأسرة في حماية الأبناء من الادمان حيث يبرز دور الأب والأم داخل العائلة لتعليم وتثقيف الطفل من مراحله المبكرة حول المخدرات والمنتجات الضارة مثل السجائر والكحوليات.
حتى يعلم الطفل آثارها النفسية مثل التسبب في الاكتئاب والقلق أو الجسدية التي يمكنه المعاناة منها مستقبلاً مثل أمراض القلب والرئتين وأمراض الكبد.
يجب أيضاً على الآباء والأمهات منح الطفل الثقة في النفس وتعريفه بأنّه لا يحتاج إلى القيام بأنشطة ضارة له على حساب الانخراط في مجموعة اجتماعية ما، أو الانضمام لمجموعة أصدقاء ما.
تم التحديث في 29 نوفمبر، 2022 بواسطة دار الشفاء للطب النفسي وعلاج الادمان