طبقاً لعدد من الدراسات، إدمان الأطفال الوراثي يحدث بنسبة 50 في المائة، و50 في المائة الأخرى لأسباب تتعلق بالبيئة المحيطة ومهارات التكيف الضعيفة.
من هذه الدراسات واحدة تمت على 861 زوج من التوائم المتطابقين، و653 زوج من التوائم الغير متطابقين، وعندما كان هناك توأم متطابق مدمن للكحوليات، كان لدى توأمه احتمال كبير للإدمان.
بينما في حالة التوائم الغير متطابقين، عندما كان أحدهما مدمن على الكحوليات لم يتأثر الثاني أو ترتفع احتمالية إدمانه.
واستناداً لهذه الاختلافات، أظهرت الدراسة أن نسبة 50 إلى 60 في المائة من الإدمان يرجع إلى عوامل وراثية، وأن إدمان الأطفال الوراثي قد يكون حقيقة، وقد تم تأكيد هذه الأرقام في دراسات أخرى أيضاً.
إدمان الأطفال الوراثي
الأطفال لأب أو أم مدمنين يزيد احتمال إدمانهم ثماني أضعاف مقارنةً بالأطفال لأب وأم غير مدمنين، ويأتي هذا عبر دراسة تمت على 231 شخص تم تشخيص إصابتهم بإدمان الكحول أو المخدرات، وتمت مقارنتهم مع 61 شخص ممن لم يكن لديهم أي إدمان.
عندما تم البحث في الأقارب من الدرجة الأولى (الآباء، الأطفال، الإخوة) لهؤلاء الأشخاص، اكتشفت الدراسة أنّه إذا كان الأب أو الأم لديه مشكلة إدمان كحول أو مخدرات، كان احتمالية إصابة الطفل بالإدمان ترتفع 8 أضعاف.
المثير للاهتمام أن جينات الإدمان موجودة لدينا جميعاً، ولدينا جميعاً الاستعداد الوراثي للإدمان مما يجعل إدمان الأطفال الوراثي أمر قابل للتصديق.
على سبيل المثال، عندما يأكل الحيوان طعام معين ثم يحبه، يرتبط مع هذا الطعام بسبب المتعة التي يشعر بها من تناوله، مما يجعل الحيوان يبحث عن نوع الطعام هذا في المستقبل.
وعلى صعيد البشر، يوجد الإدمان في المخ بنسب مختلفة، فهناك الكثير من الأشخاص الذي يأكلون كميات كبيرة من طعامهم المفضل وليكن ماكدونالدز مثلاً على الرغم من أنّه مضر صحياً.
لكن حتى لا تُفهم الأمور بشكل خاطئ، الجميع لديهم قابلية الإدمان نعم، لكن بعض الناس أكثر ميلاً للإدمان من غيرهم.
فهناك بعض الناس الذين يتناولون الطعام السريع بمعدل متوسط ثم بعد ذلك يزيد استهلاكهم تدريجياً، في حين يوجد أناس آخرون يبدأون في تناول الطعام السريع بكميات كبيرة، مما يجعلهم يدمنون عليه.
ومن الأشياء الأخرى التي تُثبت أن إدمان الأطفال الوراثي حقيقياً، أن تكرار تعاطي المخدرات بشكل دائم يدفع إلى الإدمان.
لكن إذا كانت الجينات الوراثية لدى الطفل ذات قابلية مرتفعة للإدمان سوف يُسهّل هذا من إدمانه للمخدرات، والعكس صحيح.
لكن هذا لا يعني أن الطفل الذي لا يتملك هذه الجينات الوراثية آمن من الإدمان، لأنّه لو تعاطى المخدرات بصفة مستمرة سوف يعتاد المخ عليها ويبدأ في تطوير شعور الإدمان.
تجدر الإشارة أيضاً إلى أنّ الجينات ليست كل شيء، في النهاية الإنسان هو من يملك قراره، وهناك العديد من الأطفال الذين لديهم أب أو أم يتعاطون المخدرات، لكنهم لم يتأثروا بذلك السلوك السيء.
إدمان الأطفال الوراثي وتاريخ العائلة
الكثير من الناس لا يعرفون الكثير من المعلومات عن تاريخ العائلة مع الإدمان، والسبب الرئيسي في ذلك أن أفراد العائلة عادةً ما يصيبهم الإحراج من الحديث حول هذا الأمر.
لكن حتى يتعرف الأب والأم على ما يمكن أن يصيبهم يجب أن يتحدثوا مع أفراد العائلة عن تاريخ العائلة مع الإدمان، حتى يكونوا على استعداد لمواجهة إدمان الأطفال الوراثي إن حدث في المستقبل.
أيضاً، التكيف مع الجينات الوراثية هو أمر يجب أن يتعلمه الأطفال، خصوصاً في حالة وجود تاريخ عائلي مع الإدمان، ويجب أن يعلم الطفل أن جيناته الوراثية لا تحدد شخصيته، وأنّه وحده القادر على اتخاذ القرارات السليمة أو السيئة.
هل الإدمان مرض؟
يعتبر الكثير من الباحثين الإدمان مرض مثل معظم الأمراض الرئيسية المنتشرة، خذ مثلاً مرض القلب الذي يعتبر السبب الرئيسي للوفاة في العالم المتقدم، يرجع احتمال الإصابة به جزئياً إلى الجينات والجزء الآخر لنمط الحياة السيء مثل النظام الغذائي الضار، وعدم ممارسة الرياضة، والتدخين.
وينطبق نفس الشيء على الأمراض الشائعة الأخرى مثل مرض السكري الذي يصيب البالغين، كما أن العديد من أشكال السرطان ناتجة عن مزيج من الجينات ونمط الحياة.
يجب أن تعلم أيضاً أن الإدمان ليس نقطة ضعف، هو مجرد مرض يمكن الإصابة به والعلاج منه كما هو الحال مع العديد من الأمراض، كما أن المدمن ليس بالضرورة فاشل في حياته.
فحسب بعض الدراسات في الولايات المتحدة نسبة 10 في المائة من المدراء التنفيذيين ذوي الأداء العالي لديهم إدمان من نوع ما.
لذا يجب ألّا تفكر كثيراً في إدمان الأطفال الوراثي وتوارد أفكار مثل أن الإصابة به قادمة لا محالة، وأنّك لن تستطيع التخلص منه، لأن بهذه الأفكار تضع نفسك في زاوية لن تخرج منها، وبدلاً من ذلك يجب التركيز على القوة وإمكانية علاج الإدمان مثل أي مرض آخر.
من المشاكل الأخرى التي يجب الحذر منها في إدمان الأطفال الوراثي أنّ نوع واحد من الإدمان يمكن أن يؤدي إلى نوع آخر منه.
لنفترض أن الطفل مدمن على مخدر الحشيش وفي نفس الوقت يُدخن السجائر، حتى يستطيع الإقلاع عن الحشيش يجب أن يترك التدخين تماماً.
الإدمان العرضي يمكن أن يسبب انتكاسات بسبب
- جميع أنواع الإدمان تعمل في نفس الجزء من المخ، لذا يمكن لأي نوع من أنواع الإدمان أن يعيدك إلى نوع آخر ظننت أنك تخلصت منه.
- الاستخدامات المعتدلة حتى في فعل مثل التدخين يُقلل من الموانع الطبيعية في مخك ضد الإدمان.
وفي النهاية نود الإشارة إلى أن إدمان الأطفال الوراثي حقيقي وموجود وتم إثباته بالعديد من الدراسات، لكن هذا لا يعني الاستسلام من أهل الطفل لمجرد أنّ الإدمان في جيناته.
يمكن اتخاذ العديد من التدابير للوقاية، مثل إشغال وقت الطفل دوماً بالعديد من النشاطات الصحية الممتعة، مثل الاشتراك في النادي أو الخروج للتنزه أو حتى الركض في الصباح.
وقد يساعد أيضاً الجلوس مع الطفل من آن لآخر وتعريفه على مخاطر الإدمان وأنواع الإدمان المختلفة، لأن الطفل في كثير من حالات الإدمان لا يعرف أنّه مدمن فعلاً إلّا بعد مرور الكثير من الوقت، وتكون عودته من هذه المرحلة صعبة بعض الشيء.
تم التحديث في 25 يونيو، 2023 بواسطة دار الشفاء للطب النفسي وعلاج الادمان