من الامور التي يصعب على بعض الأهالي تقبلها هي وجود مريض مدمن بالمنزل. وأحياناً يرفض الأهل تصديق ذلك، خاصة مع وجود شخصية ضعيفة في الأسرة (سواء الأب أو الأم) بحيث تكون هذه الشخصية مصدر حماية وعاطفة ومساعدة للمدمن على إدمانه بطريقة غير مباشرة.
ومن ثم ترتكب الأسرة أخطاء خطيرة في التعامل مع الابن المدمن وترفض تصديق أن ابنها قد وقع في فخ الادمان حتى مع توافر جميع الشواهد الدالة على ذلك، وذلك لعده اسباب.
وسنتعرف في السطور التالية على أسباب رفض الأسرة للاعتراف بمريض الادمان ..
الربط بين الادمان والتربية
حيث تعتقد الأسرة أن وجود مدمن في الأسرة يعني أنهم قد فشلوا في التربية. إلا أن هذا الاعتقاد غير صحيح إطلاقاً وذلك لأن الاستعداد النفسي والعقلي والجسدي لمريض الادمان يفوق عوامل التربية بكثير.
الخوف من الفضيحة (كما يعتقدون)
خشية الأسرة من معرفة باقي أفراد العائلة الكبيرة بإدمان ولدهم ويعتبرون ذلك فضيحة، رغم أن مرض الادمان ليس عيباً، والعلاج السليم للادمان سينهي المشكلة. ومن حق المتعالج السرية لكن ليس على حساب علاجه الصحيح.
الإنكار
فكما أن الإنكار جزء من مرض الادمان وفيه يرفض المريض كونه مدمن ويعتنق افكار ومبررات خاطئه ومغلوطه عن اسباب الادمان عنده وانه مثلا يسيطر على تعاطيه.
فهكذا الاهل يرفضون أحيانا أن ابنهم مدمن لانه من وجهه نظرهم لم يصل لمرحله الادمان التى يتعدى عليهم جسديا ويسرق ويستخدم العنف كما يصور لهم ثقافه الادمان بالافلام العربيه او سماعهم لقصص بعض حالات الادمان المتأخره.
رغم أن المرضى المدمنين الذين خسرو حياتهم، أو دخلوا السجون أو خسروا وظائفهم واموالهم وصحتهم كانو فى يوم ما افضل حالا من ولدكم المريض الان.
ولكن مع اخطاء المريض والاهل فى طرق حل مشكله الادمان يستمر المرضى فى طريق الادمان إلى ان خسرو كل شىء بجانب انكار الاهل لمشكلتهم والا كانوا طلبوا العلاج السليم لابنهم من بدايات معرفتهم بتعاطيه للمخدرات.
التساهل في إعطاء المشكلة حجمها
معظم أسرنا لم تكن لهم خبرات مع علاج الادمان او التعامل مع مريض مدمن ولا حتى تعاطى المخدرات، ولكننا نفاجىء حاليا بمدى مساحه التساهل التى يعطيها الاهل عند معرفتهم ان ابنهم يتعاطى الحشيش او الخمور.
ويكون الرد الجاهز لديهم انه مجرد مراهقه او طيش شباب او فتره وهتمر لحالها ويكتفون ببعض المحاذير للمريض ويصدقون فى تبرير المريض للتعاطي ان كل الشباب تفعل ذلك !!
كما لو كان تعاطى المخدرات من ثقافه ابائنا واجدانا، والتغير السلوكى فى مفاهيم الاسره للمخدرات ودرجه السماح للابناء بالتعاطى وكسر قواعد المنزل المتعارف عليها تحتاج لدراسة عميقه.
إلصاق التهم الجاهزة
مثل عبارة (أصدقاء السوء) وهي من اشهر الجمل التى نسمعها من الاهالى والغريب أنها نفى مبطن من الاهل لمدى ادمان ابنهم.
ويعزز تلك الفرضيه طريقه تفكير المدمن الخاطئه انه دائما ضحيه الاخرين واصدقاء السوء، ولكن جميعنا قابلنا اصدقاء سوء في الدراسه او العمل أو الجيران او العائله نفسها ورفضناهم وبعدنا عنهم، فلماذا هو ارتبط بهم؟
وإجابه هذا السؤال ببساطه لان الاصدقاء بينهم عوامل وانشطه واهتمامات مشتركه، فالادمان هو خلل الشخصيه الداخليه واستخدامهم للمخدرات للتغلب على هذا الخلل هو الرابط الحقيقى بين المدمنين.
ولا أحد يفرض التعاطى على احد ولو كان المريض غير مدمن ما اجتمع مع المدمنين فى أى نشاط. وهنالك نظريات مبنيه على ان الادمان السلوكى الخفى يسبق استخدام المخدرات.
الانسياق وراء افكار المريض المضللة
وهذا موضوع شائك نسبياً، فالمريض تعود مع استخدام جرعات المخدرات على الحصول الفورى على النتيجه ( الاشباع الفورى ) وهى اللذه وافراز هرموناتها بالمخ.
فأصبح مع الوقت يبحث دائما عن الحلول الفورية ذات النتائج السريعه ويعتقد ان علاج الادمان مجرد تنظيف الجسم من السموم من خلال ادويه لعده ايام وتنتهى المشكلة.
وهذه ليست الحقيقه لان الادمان ارتباط نفسى وعقلى يحتاج علاجه لشهور داخل برامج علاجيه متخصصه.
ولكن رغبه المريض فى حل سريع نتيجه ميكانزمات الاشباع الفورى كما شرحنا تدفعه لذلك، وأيضا يحاول استعاده ثقه الاهل سريعا وطمئنتهم ونفى ادمانه الشديد.
وتلتقى رغبه المدمن هنا برغبه الاهل فى التفكير بحل سريع لان صدمتهم فى ادمان ابنهم تجعلهم يريدون التخلص من هذا الكابوس سريعا.
وللاسف يسبب ذلك تأخر حالة المريض نتيجه كثره التجارب الفاشله تحت اشراف الاهل بالمنزل ويسبب ذلك متوالية احباطات للجميع.
الاستبدال
وهو من أشهر التجارب السيئه فى علاج المخدرات حيث يحاول المريض استبدال مخدر قوى مثل الهيروين او الكريستال ميث مثلا بمخدرات اقل كان يستخدمها فى فترات سابقه مثل الترامادول او الحشيش او الخمور ويظن انه يستطيع ان يكمل تعاطى بشكل اخر ويستكمل حياته.
وبالطبع كل المخدرات تعطى نفس النتائج مع اختلاف كميه الافرازات بالمخ. ويحاول لفتره ويعود مره اخرى للمواد الاقوى وهو فى حقيقه الامر لم يتوقف عن الادمان بل استبدل مخدر بآخر لفترة.
وللاسف الاهل هنا يتورطون بشكل كامل مع هذه التجربه السيئه ويصبح تعاطى بعض انواع المخدرات مسموحا بالمنزل تحت مبرر انه يتخلص من مخدر اقوى.
ووصل ببعض الاهل الى احضار بعض هذه المخدرات بأنفسهم لاولادهم تحت مبرر انهم يساعدوهم على العلاج تدريجيا تحت اشراف الاسرة، وبالطبع هذه كارثه اخرى تنهار فيها قواعد المنزل كليا.
الإشغال والإلهاء
وهي من المحاولات المتكررة عند الأهل بحيث يحاولون إشغال المريض بشكل دائم ظنا منهم ان الادمان نتيجه فراغ وعدم وجود اهداف وهذه ليست الحقيقه لانه مرض وسلوك قهرى وليس مجرد تسليه زادت عن الحد كما يظنون.
وطرق الالهاء الفاشله التى يستحدثها الاهل متشابهة، مثل العمل والسفر والدراسه والزواج وغيرها من الامور التى تسبب المزيد من التعقيد فى حاله المدمن.
فبدلاً من معالجه المريض وهو عازب يحضر إلينا وهو على وشك الطلاق ويوجد زوجه وأبناء يعانون، وبدلا من العلاج اولاً والحفاظ على فرص العمل والسفر يأتى المريض بعد ان خسر وظايف كثيره او تم استبعاده من دولة السفر نتيجه فشله وادمانه.
وهكذا هى متواليات لا نستطيع ان نقول أن المريض متسبب فيها لحاله بل الاسره مشتركه معه بجانب كبير.
تبادل إلقاء التهم
إلقاء الاب والام التهم على بعضهم البعض فى مشكله مرض ابنهم بالادمان ليس حلا للمشكله بل هو نوع من الرفض وعدم تقبل وجود مريض في الأسرة.
ودورهم ليس التعنيف او الدفاع أو الهجوم بل توجيه المريض للعلاج التأهيلى الصحيح وعمل الادوار العلاجيه المطلوبه منهم بدقه لضمان تعافى ولدهم ولتصحيح منظومه قواعد المنزل مره اخرى.
راجع أيضاً: دور الأسرة في علاج الادمان
تم التحديث في 2 سبتمبر، 2023 بواسطة دار الشفاء للطب النفسي وعلاج الادمان